الفضل يعود لغباء السلطة.. النهضة بريئة من كل التهم الملفقة ومدانة لمعارضتها.
لسنوات عديدة، كيلت لحركة النهضة التهم تلو التهم، تصل عقوبة بعضها إلى حل الحزب وإعدام قادته، نُصبت المحاكم في البلاتوهات التليفزيونية والإذاعية وتمت المحاكمة وأُصدرت الأحكام، دون أن يُعطى للحركة حق الدفاع عن نفسها، أو لنقل عجزت نسبيا في “افتكاك” حقها، فالأسهم موجهة إليها من كل صوب دون رحمة.
فشلت النهضة، لكن جاء من يؤدي المهمة على أحسن وجه دون أن تكون له نية ذلك، بالعكس فقد كانت نيته توريط الحزب الأول في البلاد وضربه جماهيريًا، والمقصود هنا قائد الانقلاب قيس سعيد الذي نجح فيما فشلت فيه النهضة من حيث لا يدري فقد أكد براءتها من جميع الاتهامات التي تلاحقها منذ قرابة العقد.
فقد استغل سعيد، التهم الخطيرة التي دأبت بعض الأوساط التونسية المعروفة بتوجهها المعادي للإسلام السياسي والموالي لتيار الثورة المضادة، على إلصاقها بحركة النهضة.. إذ يتهمون الحركة باستغلال وجودها في السلطة طيلة السنوات التي أعقبت الثورة للتغطية على عمليات الاغتيالات السياسية، واتهامات أخرى بتأسيس “جهاز سرّي” يجمع بين جناحين مدني وآخر عسكري، مكن الحركة من اختراق أجهزة الدولة، والقيام بعمليات تجسس واسعة وملاحقة خصوم النهضة السياسيين، وتم تقديم قضية ضد النهضة في الغرض.
سلسلة التهم لا تتوقف هنا، إذ تتهم قيادات حركة النهضة الإسلامية بتبيض الأموال وتمويل الإرهاب، والإشراف على جمعيات خيرية وثقافية يُشتبه في طبيعة نشاطها، واستعمالها كغطاء للتغطية عن نشاطات مالية مخالفة للقانون، إلى جانب ذلك، وجهت للنهضة اتهامات بتسفير مئات التونسيين نحو بؤر التوتر خاصة سوريا، في أثناء توليها الحكم بعد الثورة مباشرة، ورغم نفي النهضة ذلك بقيت هذه التهم تلاحقها حتى كتابة هذه الأسطر.
يمكن القول إن سعيد نجح فيما عجزت النهضة عن تدبيره لسنوات عديدة، وهو تأكيد براءة الحركة من التهم الموجهة إليها.
ليس هذا فحسب، فقد وصلت الاتهامات إلى نهب المال العام وسرقة مقدرات البلاد، إضافة لاتهامات أخرى باستغلال الفترة التي حكمت فيها بالشراكة مع أحزاب أخرى، لتشغيل أبنائها وإقصاء المناوئين لها من مناصب عديدة، وتم اتهامها أيضًا بتعويض مناضليها عن سنوات معارضة نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.. اتهامات فشلت النهضة في دحضها والدفاع عن نفسها بسبب تكالب قوى الثورة المضادة عليها.
إلا أنه بعد انقلاب قيس سعيد على دستور البلاد ومؤسسات الدولة الشرعية وسيطرته على جميع مفاصل الدولة، أعيد فتح ملفات عديدة في حق حركة النهضة بهدف ضربها وإضعافها سياسيًا وحزبيًا، وإشغالها من مواجهة الانقلاب، حيث ركز سعيد هجماته مرارًا على النهضة، سواء من خلال ذكرها بالاسم أو التلميح إليها، بما أنها الحزب الأكبر في البلاد، والحزب الوحيد القادر على معارضته والاتفاق مع باقي الأطراف لحشد الشارع وإزاحة سعيد من الحكم، وقد رأى في إعادة فتح الملفات القضائية بخصوصها أهم آلية لذلك، لكن غياب الأدلة حال دون تحقيق قيس سعيد أمانيه وأماني القوى المناهضة للحركة الإسلامية.
بالفعل، عادت ملفات الإرهاب والتسفير والفساد وغيرها وأعيد فتحها ومباشرة التحقيقات فيها، لكن رغم مرور أكثر من عام ونصف من البحث عن ملفات تدين النهضة فعليًا، لم نشاهد أي أحكام تصدر في حقها، شاهدنا فقط محاولات تنكيل بقادة الحركة واعتقالهم في قضايا أخري بناء على المعارضة وهو ما تم بعد تأكد النظام من براءة النهضة.. بحثوا عن ملفات فساد ولم يجدوا، والدليل أن جميع قادة النهضة تم إيقافهم على خلفية القضية الملفقة المعروفة بٍقضية التآمر على أمن الدولة، والتي أوقف على إثرها كل رموز المعارضة.
ورغم مرور ما يقارب العامين على انقلاب سعيد، إلا أنه لم يُفلح في إدانة النهضة، ما يؤكد أن الحركة بريئة من كل التهم التي لفقت إليها، لذلك يمكن القول إن سعيد نجح فيما عجزت النهضة عن تدبيره لسنوات عديدة، وهو تأكيد براءة الحركة من التهم الموجهة إليها.