حركة النهضة.. العقبة الأخيرة في طريق الانقلاب وحلم توطيد الديكتاتورية
بأسلوب متأنٍ وعلى طريقة الفار إذ يأكل قطعة الجبن، تتقدم السلطة الانقلابية في قضم مساحات الحرية التي أتاحتها الثورة ومن ثمة تصفية الخصوم أو بالأحري إنهاء وجود الطيف السياسي بالكامل، وتبعا لما يواجهه حزب حركة النهضة من حملات استهداف مكثفة بشكل خاص دون عن باقي الأحزاب في المشهد السياسي، فقد وجدت الثورة المضادة في حركة النهضة “الجسم غير القابل للترويض حتى الآن”.. فقد التقى الانقلاب مع الدولة العميقة ومع اليسار الاستئصالي المحيط والأذرع الانقلابية، في تلك النقطة وهي إقصاء النهضة بشكل تام من السياسة التونسية، وتوافقت الغايات بين تلك الأطراف سواء بشكل ضمني أو صريح.
بالإضافة إلي ذلك، يرى قيس سعيد في النهضة “العقبة الأخيرة الباقية في طريق بناء نظام سياسي دون وسائط”، والحال ذاته في زمن بن علي عندما شكلت النهضة نفس العقبة الكأداء أمام منظومة الحكم البائد، فيما يعتبر قائد الانقلاب أن الوقت قد حان من أجل إنهاء الحامي الأخير للحريات والديمقراطية، كما يقف اليسار الاستئصالي بكل شقوقه على عتبة حلمه الأبدي بأن يستفيق على تونس بدون إسلاميين.. حلم صعب المنال لكنه قابل للتحقق في ظل حكم الانقلاب الذي أصبح يمر بالقوة في كل الأمور والشؤون.
ولئن تحقق هذا الحلم البائس “حل حزب النهضة” وإنهاء الحركة كما تظن السلطة، فإنها يمكن أن تكون نهاية على المستوى التنظيمي لا السياسي، فمنظومات الحكم كانت دائما ما تتخذ قرارات بمنع الوجود القانوني للحزب منذ الإعلان عن وجوده سنة 1981، بقوة الأجهزة لا بقوة فكرية مضادة، لكنها لم تفلح أبدا في إنهاء وجوده الواقعي، ورغم أنها تتحرك في الوقت الحالي لتحقيق مرحلة أخرى من الإلغاء القانوني للحزب، لكنها لا تتذكر ولا تريد أن تتذكر أن الحزب جزء مكين من مشهد سياسي تونسي يتحرك ولا يتغير إلا قليلا.
لكنها من جهة أخرى ستكون بداية لعهد جديد وإعادة ترتيب الصفوف للانطلاق في مقاومة حاسمة رفقة المكونات الوطنية بهدف كنس الانقلاب وإغلاق قوسه إلي الأبد، فضلا عن ذلك فإنه من المهم أن يحدث تحول شامل في التعامل مع المستجدات بالتخلي عن وضع الهدوء المعهود والانتقال لمرحلة الحسم التي يكون فيها رد الفعل أقوى من الفعل (في الإطار السياسي).
لأنه وكما نرى جميعا فإن كل الاحتمالات الأحداث المتواترة والممارسات التي ترتكبها السلطة من استهدافات لقيادة الحزب وإغلاق مقراته بعموم التراب الوطني، تضعنا في نقطة أن النهضة في طريقها للاختفاء من المشهد السياسي، لكنها مجرد إعادة لما قام به بن علي وحزبه ويساره الذين دفعوا ثمنا غاليا في سبيل إقصاء النهضة، لكنها احتملت الثمن وبقيت، وهي قادرة أيضا في ظل الوضع الحالي قادرة على احتمال ثمن مماثل ولكن لن تنتهي.
ورغم الأعباء التي حملتها وتمسكها بالثورج ومنجزاتها، ورغم ما حققته من إنجازات تكاد تكون طفيفة في نظرة العامة، إلا أن النهضة كانت مطالبة بتحقيق معجزات، دون عن غيرها من شركاء الحكم على مدار عقد من الزمان، واقتصر الاتهام بالفشل عليها وحدها، أما الآن فقد سقطت المعجزات المطلوبة عن كتف النهضة ونُقلت على كتف السلطة الانقلابية، التي تعاني في الأصل ولا تستطيع مجابهة الأزمات ولن تقدر على تحقيق ولو أقل القليل من تلك المعجزات.. حتى ولو حلت حزب النهضة وسجنت قياداته، لذلك فلا مكاسب اقتصادية أو اجتماعية للمنقلب من حل الحزب سوى تحقيق مكاسب وقتية لكنه سيرفع درجة التوتر في الشارع السياسي.