خطابات سعيد.. بين تغذية الانقسام المجتمعي وإرساء المواطنة المشروطة
منذ ظهوره الأول على الساحة السياسية، برز قيس سعيد في ثوب التميز سواء بنبرة الخطاب أو اتخاذ مسافة واحدة من مختلف الفرقاء الحزبيين والأيديولوجيين، ولم يكذب حينها لأنه لا يؤمن بالأحزاب أو الكيانات السياسية، فقد ثبت علي خيار واحد وهو الحكم الفردي الذي يهمش كل مؤسسات الدولة ويلحقها كوظائف تابعة للممسك بالسلطة.
لكن ما بعد الانقلاب كان تحولا على مستوى الطريقة وليس النظرية، فقد تحررت الأفكار متسلحة بالسلطة والقوة الأمنية وتحولت إلى وقائع، وبرز ذلك خلال فترة ما بعد الانقلاب مباشرة والتي وصفها سعيد بـ “حالة الاستثناء” وحولها في غضون أشهر إلى مرحلة تأسيس لجمهورية جديدة ذات نظام رئاسوي يوفر كل سبل الانحراف نحو الاستبداد والتصفية السياسية تحت شعار المحاسبة، أو التشفي من كل ما هو مرتبط بـ”العشرية الماضية” وبالديمقراطية التمثيلية من أجسام وسيطة ورموز سياسية، بمعنى آخر.. الانقلاب على كل مخرجات الانتقال الديمقراطي التي غيّرت آليات توزيع السلطة والثروة في عهد المخلوع جهويا وأيديولوجيا.
دائما ما تركزت الخطابات على مبدأ “التطهير ” والذي ظل سعيد يمهد، من خلاله، لتدجين كامل المؤسسات الإدارات وإلحاقها بقصر قرطاج كما حصل مع العديد من القطاعات الأخرى، وتكمن خطورته في أنه سينقل الصراع السياسي إلى الإدارة وسيزيد في ترسيخ حالة الانقسام المجتمعي، التي كانت بدايتها -في النطاق الشعبي- عبر خطابات سعيد أيضا.
ولا شك في أننا هنا أمام نسف لمنظومة الحريات والحقوق الفردية والجماعية التي تعتبر أهم منجزات ثورة الحرية، بل أمام ردة نسقية إلى “دولة ما دون المواطنة” أو “المواطنة المشروطة” وهي انحراف متكامل خارج أفق المواطنة التامة التي لا تنفصل بالضرورة عن استحقاقات الثورة وانتظارات ضحاياها ومناضليها، على الأقل، على المستويين السياسي والمجتمعي.