مع اقتراب الذكرى الثانية للانقلاب على التجربة الديمقراطية والمسار الدستوري، يستذكر الجميع خطاب قائد الانقلاب “قيس سعيد” الذي ارتكز على تأويل كارثي وتحويل كامل لمعنى الفصل 80 من الدستور، حين اعتبر المؤسسات الدستورية وعلى رأسها البرلمان “خطرا داهما” يقتضي تحرك رئيس الجمهورية لإنقاذ البلاد.. ذريعة احتمي بها سعيد ولكنه لم يلبث أن حول البلاد إلى خطر داهم ومهلك لكل ملامح الحياة الطبيعية حتى بات المشهد الوطني أشبه بصحراء قاحلة، فضلا عن التفاقم المستمر في الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي بلغت ذروتها، والتدهور الحقوقي بشكل متسارع.
بالعودة لـ “الخطر الداهم” نجد أن البلاد قد وصلت إلى تلك النقطة التي أصبحت واقعا فرضه قيس سعيد نفسه، سواء بالانتهاكات والممارسات المستمرة أو بالانهيار المحتوم الذي أصبح مسألة وقت، والحديث هنا المستجدات التي تشهدها البلاد خلال الأسابيع الأخيرة فيما يتعلق بأزمة المهاجرين وانعكاساتها الخطيرة والمتسارعة على بلادنا “دولة ووطن”، حيث أنها تعجل بحدوث الكارثة وتضاعف الخطر الداهم.
“شهرين فقط” كانت مدة كافية للأوروبيين من أجل إغراء قائد الانقلاب الذي أطلق تصريحات عنصرية هاجم خلالها المهاجرين الأفارقة واتهم بعض الجهات بأنها تسعى لتغيير التركيب الديموغرافي لتونس، غير أنه امتثل للأوامر الأوروبية واستجاب لنداء الأموال من أجل رهن البلاد للمستعمر القديم، وتحويلها إلى معسكر يضم مئات الآلاف من اللاجئين الأفارقة، وهو ما أثار تخوفات الطيف السياسي والشعبي بأكمله، بسبب الأزمات التي ستندلع إثر تلك الظاهرة التي تنمو بشكل مروع.
لم يتأخر الخطر كثيرا، فبعد أسابيع عصيبة مرت بها أحياء ومعتمديات ولاية صفاقس بسبب المواجهات وعمليات الاحتقان بين السكان والمهاجرين، حيث هاجم 3 أفراد من الأفارقة جنوب الصحراء ليلة البارحة الإثنين 3 جويلية، شابا من ولاية صفاقس على مستوى المنطقة الصناعية طريق المهدية كلم 10، وعمد أحدهم إلى طعنه بآلة حادة ثم لاذوا بالفرار، حسب ما رصدت كاميرات المراقبة الموجودة بمحيط مسرح الجريمة.
حادثة مروعة خلفت حالة من الاحتقان في عموم المنطقة، حيث تجمهر عشرات المواطنين وسط الطريق احتجاجا على تواصل تجاوزات المهاجرين غير النظاميين، بعد أن تزايد عددهم بشكل لافت في صفاقس وأصبح وجودهم يمثل خطرا حقيقيا على أمن الجهة.. لكن السلطة الانقلابية لا تزال صامتة على كل تلك الأحداث ولم تبادر بأي تعليق أو ردة فعل، فهل سيستمر صمتها حتى تتوسع تلك المشاهد في كامل التراب الوطني لتعيش البلاد الخطر الداهم بعينه؟!