الاتحاد الأوروبي يضع ثقته بقيس سعيد رغم العنصـرية والانتـهاك المستمر للديمقراطية
المصدر: صحيفة “New York Times”
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته مديرة مكتبها في القاهرة فيفيان يي، والتي سلطت خلاله الضوء على المعاناة المستمرة التي يواجهها المهاجرون غير النظاميين في تونس خلال حكم الانقلابي قيس سعيد، حيث قالت “إن السلطة طردت المهاجرين الأفارقة إلى منطقة عازلة على الحدود مع ليبيا بدون ماء أو طعام، وتركتهم تحت رحمة الشمس الحارقة ينتظرون الموت. وفي المقابل، وقّعت اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، وافقت فيها على تعزيز الرقابة على حدودها.
واستعرض التقرير شهادات المهاجرين من ميناء صفاقس والموانئ التونسية الأخرى، مشيرا إلى أنه وعلى مدى ثلاثة أسابيع تقريبا، يحاول أكثر من ألف رجل وامرأة وطفل البقاء على قيد الحياة في منطقة عازلة على الحدود التونسية، حيث يلجؤون إلى عدة أشجار متناثرة نوعا من الظل غير الدائم، حسبما كشفت الفيديوهات التي التقطها المهاجرون وحرس الحدود من ليبيا المجاورة، وعمال الإغاثة التونسيون الذين يوصلون المياه وبعض الخبز، وغير هذا لا شيء”.
وأضافت “يي” أن المهاجرين بعثوا بعشرات الرسائل والمناشدات المتتالية من الهواتف المحمولة التي استطاعوا شحنها، كما وكتب أحدهم لصحيفة “نيويورك تايمز” يوم السبت: “الرجاء المساعدة، فنحن نموت.. ليس لدينا طعام أو ماء، ونحن عالقون، لو كانت هناك طريقة للمساعدة”، وبحلول يوم الأحد، توقفت الرسائل.
وتابعت: “مع زيادة المخاوف من المهاجرين عبر البحر المتوسط وتكرار ما حدث في عام 2015 و2016، فقد أصبحت الطرق من شمال أفريقيا مصدر قلق للدول الأوروبية، وسط مشاهد بشعة قام بها خفر السواحل في هذه الدول لحرف سفن المهاجرين، كما ترك قوارب تغرق في البحر، في ظل إثارة الساسة في شمال أفريقيا المشاعر المعادية للمهاجرين من دول الساحل والصحراء”.
واستطرد التقرير في الحديث عن الاتفاقية المبرمة بين قائد الانقلاب والاتحاد الأوروبي بخصوص اللاجئين، على أن يقدم الاتحاد الأوروبي مليار دولار إلى تونس،بهدف تقوية الرقابة على الحدود، مشيرا إلي الاعتراضات المستمرة داخل أروقة البرلمان الأوروبي، حيث اتهم النواب الاتحاد بأنه يتعامل مع رئيس تونس الانقلابي قيس سعيد الذي أظهر ميولا استبدادية وقضى معظم الوقت وهو يشيطن المهاجرين، وقام بتفكيك منجزات الديمقراطية التونسية، مع أن تونس كانت البلد الوحيد الذي خرج من الربيع العربي بمكاسب.
واستغربت الكاتبة رفض سعيد الاتهامات بأن تونس عاملت المهاجرين في صفاقس بطريقة فظة، وأكد أنهم عوملوا بإنسانية، مع أن الشهادات من المهاجرين وصور الفيديو والصور الفوتوغرافية تناقض كلامه. بالإضافة إلى الاتهامات التي قدمتها منظمات حقوق الإنسان ضد خفر السواحل التونسي الذين عمدوا إلي انتهاك المهاجرين، بما في ذلك تخريب القوارب أو ضرب ركابها، حتى في ظل مسارعة الدول الأوروبية لتحديث معدات خفر السواحل.
وبين التقرير أنه رغم العيوب التي شابت التجربة الديمقراطية التونسية، إلا أن الغرب صفّق لها وأضفى عليها عناية ورعاية ومالا، لكن نقاد سعيد يرون أن كل شيك يكتبه الاتحاد الأوروبي لسعيد يعني التخلي عن الديمقراطية الناشئة التي دعمها مرة، ويقوم بالتضحية بحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية من أجل منافع قصيرة الأمد.
وفي تعليقه على ما يتعرض له المهاجرين في تونس، قال طارق المجريسي، الزميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “سعيد وما يفعله بالبلد هو الدافع الحقيقي للهجرة”، مضيفا أن الأوروبيين يفاقمون الوضع ولا يوفرون الحل له.. ولم يفعل سعيد أي شيء لتصحيح اقتصاد البلد الذي ينهار حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا الذي زاد من التضخم في العالم، ورفض رزمة مساعدات بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لأنها اشتملت على ما أسماها “إملاءات”.. ونظرا للصورة القاتمة لتونس، فإن الكثير من التونسيين وصلوا أوروبا العام الماضي أكثر من أي وقت مضى.
وفت التقرير إلي أنه في ظل حكم قيس سعيد، أصبحت تونس محطة العبور الأولى لأوروبا، بحسب بيانات الاتحاد الأوروبي التي كشفت عن أن تونس هي أكبر مساهم في خطوط الهجرة الرئيسية لأوروبا، حيث تضاعفت القوارب القادمة منها عن الوقت السابق، وزاد عدد القوارب المتجهة نحو أوروبا بسبب النظرة المتزايدة من أن البلد يظل معبرا أكثر سلامة من ليبيا.
كما زادت رحلات العبور بشكل متتابع بعد تصريحات سعيد في فيفري، والتي تدعي بأن المهاجرين القادمين من دول الساحل والصحراء يحاولون تغيير الطابع السكاني والثقافي لتونس. وعكست تصريحاته نظريات المؤامرة التي يحملها اليمين المتطرف في أوروبا، بأن هناك مؤامرة لاستبدال السكان البيض بمهاجرين من أفريقيا أو ما تعرف بنظرية الاستبدال العظيم، وللأسف فبعد تلك التصريحات تم الاعتداء على المهاجرين والطلاب وحتى من يعملون بطريقة شرعية، ونهبت بيوتهم وتعرضوا للضرب والطرد، فيما نفى سعيد أن تصريحاته عنصرية، لكنه أشار إلى أن المهاجرين لم يعد مرحبّا بهم “تونس ليست شقة مفروشة للبيع أو الإيجار”.
واستغربت “فيفان يي” عملية الترحيب التي يتلقاها سعيد من الاتحاد، حيث قالت: “لا يعرف إلى أي مدى سيعمل سعيد مع الاتحاد الأوروبي، فقد قال هذا الشهر إنه لن يقوم بحراسة أي حدود غير الحدود التونسية.. وتصريحات كهذه أثارت إحباط المانحين الأوروبيين، ويقول المسؤولون إن تونس قادرة على وقف الهجرة من صفاقس، إلا أنها تتمنع من أجل الحصول على تنازلات.
وختمت التقرير قائلة: “لا تبدو تونس متعجلة في استكمال رزمة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي التي تعتمد عليها حزمة الاتحاد الأوروبي الذي يدفع 200 مليون دولار لتونس.. ويرى آخرون إن سعيد يحاول إنقاذ شعبيته المتراجعة من خلال رفض التأثير الأجنبي وجعل المهاجرين كبش فداء.. ومرة أخرى يتم الاعتداء على المهاجرين في صفاقس وطردهم من منازلهم.