دولة متخبطة وحياة بائسة.. كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟!
أمام تفاقم أزمات التونسيين من استمرار ندرة المواد الغذائية والمحروقات، وكذلك استمرار أزمة الماء التي تنذر بالجفاف المرعب، مرورا بالنقص الفادح في إنتاج الخبز الذي وصل إلى مستوى قياسي، وصولاً إلى انهيار واضح في أغلب منظومات الإنتاج، وأهمها منظومة الأدوية والحليب، يتساءل التونسيون اليوم عن المسؤول أمامهم الذي حشرهم في هذا النفق المظلم، والذي لا يبدو له مخرج أو نقطة ضوء في القريب العاجل.. ويطرحون سؤالا مبسطا يحتاج الكثير من الإجابات.. مضمونه “كيف وصلنا إلى هذه النقطة”؟!
الإجابة باختصار تكمن في انقلاب 25 جويلية، واللحظة التي قلبت معها الأوضاع وعبثت بملامح الحياة وظروف التونسيين، فالوضع السياسي يتحكم، بطريقة أو بأخرى، بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وجميع تفاصيل الحياة.. عملية معقدة لم يرق قيس سعيد لأن يفهمها أو أن يتفحصها قبل توجهه لإعلان انقلابه بدعوى إنقاذ البلاد من الخطر الداهم، ليضع نفسه موضع المسؤول الأول عن هذا الحال أمام الشعب كونه الممسك الفعلي بكل السلطات والراسم الوحيد للسياسات العمومية والمحدّد لها، ورغم ذلك فإنه لا ينفك أن ينفي عن نفسه وعن حكومته – التي لا تسمن ولا تغني من جوع – مسؤولية تردي أوضاع التونسيين ووصول البلاد إلى حافة الانهيار.
في المقابل، يواصل سعيد تعليق فشله على الحكومات المتعاقبة على مدار العشرية الماضية، وهو استكمال منطقي للحملات الإعلامية التي أطلقتها قوى الثورة المضادة وأذناب النظام البائد ضد السياسيين والأحزاب، حتى يكاد يكون أعظم إنجاز تحقق في تونس منذ اندلاع الثورة وحتى إعلان الانقلاب، هو ما قامت به تلك الأبواق من شيطنة ممنهجة للتجربة الديمقراطية، وكل من جاءت به، حتى أثمر ذلك في النهاية بخلق مناخ مليئ بعمليات التشفي والكراهية بحق المعارضين للانقلاب وصمت تام تجاه ممارسات الانقلاب بحقهم، سواد بسبب القبضة الأمنية وعمليات القمع المستمر بحق كل من يدين أو يستنكر، أو لاقتصار مجهودات الرأي العام على الهرولة وراء أي انفراجة متعلقة بالمواد الغذائية أو المحروقات.
ولعل التساؤلات التي تواترت خلال الأشهر الأولي بعد إعلان الانقلاب عن سر الشجاعة التي يتحرك بها سعيد ومدى القوة التي يتمتع بها وتعطيه ضوء أخضر على طول الطريق لتنفيذ كل ما يريده دون تردد أو خوف، قد وجدت إجاباتها أخيرا بعد اتضاح عملية التوغل التي يقوم بها ما يسمى «الدولة العميقة» في كل النطاقات وحشدها المتواصل من مراكز القوى المالية والإدارية وكل أعداء الديمقراطية، وبدعم متواصل لم يتوقف من قوى المحاور الدولية والإقليمية التي ترعى الثورة المضادة، بداية من التخطيط للانقلاب وفتح الطريق له، وصولا إلي احتضانه وتهيئة المناخ الإقليمي لتقبل مسار سعيد.
إذا فنحن أمام سيناريوهات غامضة في المستقبل القريب، والأرجح أنها ماضية بالتونسيين إلى حافّة الهاوية، لتفتح الباب أمام سؤال آخر سيبقى جوابه غائباً في ظل سياسة الصمت والتنصل والتسويف، “إلى أي السيناريوهات تغدو البلاد؟”.. وستكون النتيجة مرعبة ما لم يستفيق التونسيون لإزاحة هذا الكابوس الانقلابي وإعادة البلاد إلى مسار ديمقراطي تتساوى فيه الرؤوس ويتناقش الجميع للشروع في عملية الإنقاذ الحقيقية.