تحليل

الشعبوية والخبز.. ونظرية المؤامرة

عاد الانقلابي قيس سعيد مجددًا للحديث عن مؤامرة جديدة بمناسبة أزمة تزود المخابز بمشتقات الحبوب اللازمة لصناعة الخبز، والتي انعكست أزمة تموينية ظهرت في الأيام الأخيرة بعدة مناطق من التراب الوطني، وعليه قام سعيد بأداء زيارة إلى وزارة الفلاحة، محذرا بنفس اللهجة المعهودة “على الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم”.

لم يستطع وزرائه الانتظار لدرء المسؤولية عن أنفسهم، فقد تحدث وزير الفلاحة عن أزمة التوزيع التي يشهدها ديوان الحبوب، واضعا اللوم على وزارة التجارة، في حين قالت وزيرة التجارة المعيّنة حديثًا إن الأمر سببه لهفة التونسيين على الخبز!

وسواء كان المسؤول الحقيقي هذا أو ذاك، فكما عهدنا على مدار عامين أنه لا يعلى على تفسير قائد الانقلاب الذي يملك السلطة المطلقة في كل المواضيع، من الدستور إلى الخبز، ولذلك سيظل سبب الأزمة في كل الدوائر بخلاف صاحبها الذي يلبس ثوب البطل أو الضحية، وقتما شاء.. على حسب الإنجاز الوهمي أو الإخفاق المهول.

ولأن نظرية المؤامرة تسمح للشعبويين أن يحتلوا موقع الضحية حتى عندما يكونون في الحكم.. يتوجه الشعب عادة للحاكمين بطلب حل أزماتهم، ويسمح ذلك لنفس الشعب بتقييم الجهد الذي يبذله حكامه من أجل حل تلك المشاكل، فيقرر، في نظام ديمقراطي عادي، إما إعادة انتخابهم إذا نجحوا، أو إزاحتهم من الحكم عبر الانتخابات إذا ما قدر أنهم فشلوا.

في المقابل يتهم الشعبويون غيرهم بأنهم يعيقون النجاح في حل المشاكل والأزمات، ما يجعل المتهمين الذين يكونون في هذه الحالة إما معارضين أو نخبًا اقتصادية “هدفًا لكراهية الجمهور” فيتحقق بذلك للشعبويين نجاح جديد: الإفلات من تحمل المسؤولية، وتوجيه غضب الناس نحو خصومهم، وعدم بذلهم في خضم كل ذلك أي جهد.. هذه هي طريقة الحكم بالمجان والخلطة السرية التي ينتهجها سعيد منذ يومه الأول في الحكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *